كلهن يفعلن هذا



 
            أخذت مكانى على مكتبى فى الغرفة الكبيرة طالبا قهوتىوأنا اتفقد بعض ملفات أمامى. 
كم تمنيت العمل بالحكومة لاتجنب العمل فور وصولى وربما حالفنى الحظ فأتجنب العمل أصلا. إلا أن المرتب الضخم الذى اتلقاه من القطاع الخاص جعلنى اتغاضى عن هذه النقيصة. 
       الآن أنا احد اركان الإدارة العليا.إلا أن عملية التفكير وعدم الاهتمام بالمظاهر جعل رفاهية المكتب المستقل لا تتأتى إلا  لصاحب الكيان شخصيا . احقق دخلا أكثر من محترم كمدير. إلا أن البهرجة الموجودة بالحكومة واطقم السكرتارية والاجنحة والمكاتب العملاقة لا تعد من اولوياتنا. اولوياتنا النجاح ثم النجاح والمزيد من النجاح. 
     دار هذا فى فكرى وأنا اقلب فى الاوراق أمامى مستعرضا شريط ذكرياتى بالشركة   .  منذ ما يقرب من عشرون عاما. التحقت بالشركة حاملا مؤهل عالى وخبرة متوسطة و (وفاء ) زميلة دراستى التى أحببتها وتعاهدنا على الارتباط ثم اسعدتنا الظروف بالعمل فى مكان واحد .
      كنت اجلس على المكتب الصغير يمين الباب وتجلس هى فى المكتب المقابل. ويحتل مكانى الحالى حمدى "مديرى السابق القذر" . 
      كان التحاقنا بالعمل معا بالإضافة للحب الكبير بيننا مؤشرا لقدرتنا على سحق أى تحديات إلا أنه وبعد ان تحولت الدبلة فى يدها من الفضة إلى الذهب بمباركة الاهل فى حفل بسيط وأثناء التدبير والتخطيط لنقلها لليد اليسرى وخلال وضع تصور لميزانية عشنا المشترك بدأت المح فتورها بمبدأ الاستغناء عن كل شئ طالما نظل معا. 
      وبدأت تتكون غلالات رقيقة من دموع يأس حزنا على بعض تفاهات قد نضطر للاستغناء عنها ونحن نراجع كشف بالأولويات. وفى هذه الاثناء كنت المح ابتسامة قميئة تظهر من خلف دخان سيجارته الأمريكية ذات الفلتر الأحمر. "مديرى القذر"
     لم القى إليه بالا ولا إلى تعمده البقاء بداخل المكتب بالنظارة الذهبية لبعض الوقت والصوت الناتج من تحريكه للميدالية الذهب الضخمة التى تحتوى على مفاتيح سيارته الاسبور التى لا تتناسب مع سنه. لفد وهبتنى ثقتى بحب وفاء وقار الحكماء الذى سرعان ما اكتشتف أنه بلاهة مزمنة.  
    عندما وجدت دبلة خطوبتنا فى ظرف صغير أمامى على المكتب. مع عبارات سبق ابتذالها من قديم الأزل أنه كل شئ نصيب ... وإلخ .. إلخ. 
    لم يظل اصبعها فارغا وقتا طويلا فسرعان ما احتلت محل دبلة خطوبتنا دبلة السيارة الاسبور ذات الميدالية الذهبية الضخمة المبتذلة. لم اكن اخشى من حمدى القذر ولكن لأننى لم اطيق البقاء بجوارهم فسرعان ما تقدمت بطلب لنقلى لفرع جديد بمحافظة اخرى. حيث ذكى "مديرى القذر" طلبى وكفائتى المزعومة ليبعدنى عن كنزه الثمين.
    اخلصت لعملى كما لم يفعل أحد . ربما لأنه لا يوجد ما افعله خلاف ذلك وقد آتى اخلاصى أكله. وها أنا قبل أن اتم الخمسين اعود للقاهرة واحتل مكان "مديرى السابق القذر". الذى احيل للمعاش منذ فترة طويلة . 
     بعد أن ترجلت من سيارتى الاسبور وقبل دخولى للشركة إذا بى التقى وفاء. .. يا للزمن. لقد كان سخيا فى تركه لعلاماته على وجهها. التقت عينانا. تذكرت ما كان. 
هل حمدى القذر مازال على قيد الحياة. هل تذكرت عهودنا. هل خفق قلبها. دارت هذه الاسئة فى عقلى وانا أشرب قهوتى وسرعان ما نحيت تساؤلاتى جانبا. وقد استرعى نظرى شاب وفتاه يبدوان حديثا التعيين تزين اصابعهم دبلة خطبة. لا يزال الوقت مبكرا ولم يبدأ الجميع فى العمل لكنهما يبدوان منهمكان. فيما يبدو يتناقشان فى هدوء حول ورقة موضوعة بينهما تبدو خارج إطار العمل. الفتى يبدو شامخا وواثقا من نفسه. بينما الفتاة لا يبدو على ملامحها الرضا. نظرة قنوط بسيطة مع ما يبدو غلالة من دمع يتكون فى مقلتيها. 
     ابتسمت وانا انفث دخان سيجارتى وانظر نحوها. فأظننى رأيت مثل هذا الموقف سابقا  . لاحظت نظرتى إليها فاشاحت بوجهها راسمه علامة امتعاض.
    إلا أنها التفتت مرة اخرى على صوت رنين احدثته بمفاتيح سيارتى وميدالتها الذهبية الضخمة المبتذلة قليلا. تعلق بصرها بالميدالية الذهبية لبضع ثوان قبل أن تشيح بنظرها مرة اخرى. وإن نسيت هذه المرة رسم تعبير الامتعاض على وجهها.  
     ابتسمت وأنا ادفن عقب سيجارتى الامريكية فى منفضه السجائر واطلت الإبتسام وأنا امسح نظارتى الذهبية. ...   ستعاود النظر مرة اخرى وستتبعها مرات. فكلهن يفعلن هذا.
 
                                                                                     مجدى الحارونى

تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

روتين كل يوم