روتين كل يوم

 

علبة سجائر من فضلك متبعا طلبى أن نقدت البائع سعرها ،وتناولت منه علبة التبغ وسط همهمتة المنخفضة بخصوص الجنيه الورقى الذى لن يقبله منه الزبائن وسيعانى من تداوله ،قطعت استرساله مخرجا من جيبى عملة معدنية، ناولته إياها وتناولت الورقية فى صمت وإنصرفت ،لم يكن الجو حارا خانقا فقد كنا فى مطلع الخريف والجو رائع واشعة الشمس تطل من وراء الغيوم بلطف وعلى استحياء ،إلا أننى لم اجد فى نفسى بالا رائقا لإثارة مواضيع تتعلق بالسياسات النقدية مع البائع العجوز.

انصرفت فى اتجاه منزلى الواقع على مسافة قريبة ،إلا انها اكثر من وقت انهاء سيجارة العودة.على سبيل الروتين اليومى اشعلت يسجارة ورفعت رأسى للأمام وأنا انفث دخانها ناظرا للإمام لاجدها تظهر فى مجال رؤيتى.

تسمرت مكانى مشدوها ،تأتى من أول الطريق مرتديه فستانها الأخضر الذى سبق واصلح علاقتى مع اللون الأخضر الذى لم أكن اطيقه قبل أن نلتقى.

لم تكن قصتنا ملحمة رومانسية ،قصة حب مفرطة فى البساطة ،التقينا تحاببنا اجتاح الحب تفاصيلنا ،أغرقنا ،أذاب طبقات ملحية من زوايا أرواحنا.

متسمرا فى مكانى أرقبها تقترب فى هدوء من أفق الشارع ،تغيرت مشيتها قليلا ،كم يفعل الزمن ،كانت شديدة الحيوية كالفراشة بعكسى تماما ،فقد كنت روتينى و ممل قليلا ،و لا زلت.

الآن و بعد مرور تسعة سنوات ... يا الله تسعة سنوات ،يبدو رقما مرعبا ،صدمنى قليلا وأنا أسترجع خطوطا عريضة من الذكريات وبعض التفاصيل المتذبذبة بين الرومانسية والحزن.

حقا  مرت تسعة سنوات على ادراكى لعجز إمكانياتى عن تحقيق أحلامنا البسيطة ،ألا لعنة الله على الشبكة وجهاز بنات الخالات والعمات والشقق التمليك والإيجارأيضا.

دوامة من التفاهات سحقتنى بقوتها المستمدة من متلازمة العرف والتقاليد منتصرة بإقتدار لأنسحق مستسلما ومتعايشا مع واقع إستحالة إرتباطنا.

كم تعذبت ....وإن ساهمت طبيعتى المملة فى تجاوز مالم أكن أظن فى استطاعتى تجاوزه حيا مغرقا نفسى فى محيطى الخاص من الرتابة والملل.

توقفت تقريبا متسمرا فى مكانى وإن استمرت هى فى الاقتراب من بعيد ،لايبدو انها انتبهت لوجودى.

تعالت صوت ضربات قلبى ،لم اخش أن تلفت إلى نظرات الفضوليين ،لن يكون هذا عبثا أضعتها سابقا بحكم الظروف الا لعنة الله على الظروف.

لا أظن أن غرف سفرة العالم بنيشها ونجفها وسجادها وتفاصيلها السخيفة تساوى شئ أمام عينيها.

لن يكون هذا عبثا ،لن تضيع مرتين ولكن... بلا أى لكن ،لعنة الله على الظروف والاسباب والاستثناءات ،لن تضيع مجددا ،بلا أى لكن.

اقتربت حتى صارت أمامى ناظرة نحوى بدهشة شديدة فأنا اقف فى مكانى محدقا بها متبادلا وإياها دهشة بدهشة.

فهى ليست من أظن ،مجرد فتاة بفستان اخضر ولعبه قذرة من عقلى القذر لعبها على بمنتهى الخسة متأمرا مع جوارح أخرى.

وانتبهت بعدما تجاوزتنى بفترة ،متداركا نفسى لأعاود السير تجاه منزلى فى استسلام ،مشعلا سيجارة ستنتهى قبل وصولى للمنزل  كروتين كل يوم.

تعليقات

  1. أسلوب مشوق استطاع الكاتب خلال سطور قليلة التنقل بنا بين مشاعر كثيرة بعبارات امتازت بالرشاقة والخفة .. وتسلم الايادي👌👏

    ردحذف
  2. أبحرنا معك في عالم من الذكريات والصور..سلمت يداك

    ردحذف
  3. اسلوب جميل و مبدع 👏🏻👏🏻.. في انتظار المزيد

    ردحذف
  4. احلام وواقع الشباب والنهايه واقعيه رهيبه افحمتني

    ردحذف
  5. أعجبتني القصة.أتمنى لك التوفيق في كتاباتك المستقبلية.

    ردحذف
  6. قطعة من ذهب . فعلا كلام جميل وسهل الفهم. كاتب لديه خيال واسع الأفق. وآخر القصة غير متوقع. بالتوفيق ان شاءالله وفى انتظار المزيد

    ردحذف
  7. الأسلوب جميل ومشوق والموهبة واضحة

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كلهن يفعلن هذا